Menu

إحياء لذكرى شهداء الجبهة في التاسع من آذار  

الرفيق التاريخي أحمد دلول (أبو كمال)

مر في التاسع من آذار ذكرى استشهاد قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة: محمد الاسود (جيفارا غزة) وكامل العمصي وعبد الهادي الحايك، في بيت الرفيق المناضل الدكتور رشاد مسمار، خلف مركز شرطة العباس بعد نشاطات وعمليات ضد المحتل، نستطيع القول: منقطعة النظير ومطاردة طويلة لمدة 4 سنوات في تلك الظروف، كانت ذات دلالات في الحنكة والتخفي والذكاء ومتعة الانجاز، في إلحاق الأذى والضرر بالمحتل ومن تعامل معه. ولأن تلك الفترة/ المرحلة/التجربة لها وللقائمين عليها ميزات خاصة ونكهة لم نعشها بعدها، رغم أن مقاومة شعبنا لم تنقطع وهي مستمرة وستستمر وربما في فترات كانت أكثر عنفا، إلا أن تلك المرحلة يشار لها بالبنان للكيفية والآلية ولطبيعة المرحلة وظروفها وألق الطموحات وعمقها.
لقد توفرت الظروف الموضوعية (وهي متوفرة ومتفجرة دائما في أوضاعنا)، وكانت ناضجة بعد هزيمة حزيران وتوافق ذلك مع الظروف الذاتية، تشكيل المنظمة وجيشها، انطلاق الثورة الفلسطينية والشروع في تشكيل خلاياها المقاتلة وتنفيذ بدايات العمليات العسكرية ضد المحتلين، ففي جانب جهوزية الذات. لقد كان تنظيم حركة القوميين العرب والذي تحول فرعه في فلسطين للجبهة الشعبية الأكثر وعيا وثقافة وتنظيما وانضباطا لتشكل إطارهم الحركي التنظيمي المنضبط ما بعد النكبة؛ بداية الخمسينيات وتجهيز عناصرهم للمشاركة في معركة التحرير وإلى أن انطلقوا في المقاومة المحدودة في الستينيات والعارمة الشاملة ما بعد هزيمة ال67م، كانت اعتمادا على الذات وردا على الهزيمة وفداء لتحرير الأرض والإنسان.
جيفارا ورفاقه كانوا من هؤلاء المستعدين، ولهذا تميزوا عمن استجدوا على الانضباط والتنظيم والالتزام والتعبئة والتثقيف وسنذكر بعضا من تميزهم: 
1_ كانوا يدفعون اشتراكاتهم الشهرية برضى واقتناع، ولم يتقاضوا رواتب كما غيرهم، ولم تثرِ هذه في نفوسهم، أي أمر. وأذكر أن الجبهة وزعت أول مرة على عناصرها، مبلغا ماليا، بعد أن قتلوا تاجر الخيزران (سلمون) في شارع الوحدة، واستولوا على شنطة الدولارات - والذي حاول أن يغويهم بها ليتركوه - وكان ماهر ارحيم ومجموعته الذين قاموا بذلك بعد رصد ومتابعة والتأكد أنه يعمل بالمخابرات وجند بعضا من العملاء.
2_ قانون أو مبدأ الاختيار للأعضاء، من الترشيح إلى الفحص والمتابعة والإقرار بالترشيح إلى فترة الاختبار التي لا تقل عن 6 شهور، وإما أن يقبل أو يتم التمديد أو الرفض.. وسيستغرب الجميع أنه كان توجيه، بأن لا ترشحوا المدخنين.. كانت دقة في الاختيار وكان الاهتمام بالكيف وليس بالكم؛ كانت الشبوهات تكفي لرفض الترشيح.
3_ خلال نشاطاتهم المقاومة وحتى العمليات العسكرية، كانوا يراعون مصالح الناس ويتحسسون مشاعرهم وأحاسيسهم، فلقد أخذوا قرارا بعدم التعرض عنفيا لمن يعمل في داخل الكيان الصهيوني، ما دمنا لا نوفر بديلا وفقط؛ بالتفهيم والتوعية، أن العامل منا هناك يوفر عامل صهيوني، ليذهب كجندي على جبهة القتال. أيضا أخذ قرارا بأن يقتل ويدفن العميل دون التشهير والإعلان لكي لا تتحمل عائلته وزر عمالته ورد فعل الناس في التعامل مع أهله والعديد؛ يقال أنهم مفقودين.. كانوا يتدخلون في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين أو المختلفين، وفي أحيان كثيرة يحاسبون المعتدين.
4_ كانوا بإمكانياتهم المتواضعة؛ يحاولون نشر الوعي وإعلام الناس عن نشاطهم وتبيان وكشف مخططات العدو، لإنهاء القضية كإلغاء مخيمات اللجوء ومشروع توطين اللاجئين وربط المخيمات بالبلدية بدل الوكالة التي كانت تقدم خدمات النظافة والمياه والصحة.. الخ. وفي أحيان تصدوا للقائمين مع المحتل على هذه المشاريع بالتصفية.
5_ كانوا يخططون ويعدون لعملياتهم العسكرية ويدرسون الموضوع من كل الجوانب لتكون العمليات ناجحة ومحققة لتكبيد العدو؛ أفدح الخسائر في جنوده وآلياته، فمثلا خطط لعمليتان في منطقتنا؛ واحدة من بلدية غزة والدورية صاعدة دحلة فراس والأخرى من مدرسة الزيتون للبنات، شرق شارع البساتين، وعندما أطلعت القيادة وأقرت التنفيذ؛ أصر الرفيق جيفارا، إلا أن يشارك بنفسه ولظروف طارئة لم يتم التنفيذ.
إن ميزاتهم جاءت نتيجة الظروف الموضوعية التي هيأت لذلك، فمثلا الكل يتحدث عن عملية (العمدان) ولا تذكر سلسلة عمليات العمدان، حيث تمتد المسافة من العمدان - جامع صلاح الدين وحتى وادي غزة، مثلا عند بركة أم الودع (محطة دلول الآن)، شرقها عملية الحجة ظريفة واعتقلت وهي من عائلة السرحي الكريمة، ومن غرب البركة من أرض خلف دلول أيضا؛ واحدة أخرى ومن بيارة اشنيورة عملية وخلع باب دار البورنو المقابل وبقي الجنود يغسلون آثار الدماء لطلوع الفجر، ومن مقبرة الإنجليز المقابلة لبيارة بركات؛ عملية أُلقي فيها ما يقارب من 12 قنبلة وفتحت الرشاشات على رؤوس الجنود، وشارك في هذه العملية الرفيق أبو خالد الدحدوح وسمير حسان والشطلي وغيرهم. وعند المزلقان؛ سوق السيارات من أرض الوحيدي ومن أرض الريس وعملية من أرض الشوا.. الخ، العديد من العمليات وكانت عبارة عن كمائن لدوريات العدو تلقي القنابل وتطلق النار من البنادق والرشاشات، وما جعل الحديث عن عملية العمدان المقصودة من بيارة أو أرض سي سالم المقابلة لشارع 8 (مفرق دولة)؛ لأنه شارك فيها دورية من الرفاق، كانوا قد وصلوا من لبنان بقيادة الرفيق عبد العزيز الميناوي واستخدموا لأول مرة قاذف (آر بي جي) الذي أطلق على المجنزرة وقسمها نصفين لن المسافة 4 أو 5 متر، وكان أبو الأسد قد ألقى على سيارة المخابرات الأمامية قنبلتان وتكبد العدو فيها خسائر فادحة، 
 وأعتقد أنها تحتاج لبحث مقارن ومحايد يتحدث عن الثورة الفلسطينية، ولماذا وصلت لما هي عليه أو ما وصلت إليه؟ 
ولأننا قصدنا ذكرى شهيد الجبهة والحديث عن جيفارا غزة ورفاقه الذين استشهدوا بتاريخ 1973/3/9م، وأصبح هذا اليوم؛ يوم الشهيد الجبهاوي، فلابد أن نذكر شيئا عن جيفارا هذا القائد المميز:
1_ هو ملتزم ومنظم ومنضبط؛ استمرارا لما كان عليه في حركة القوميين العرب.
2_ لديه من الثقافة والمعرفة من خلال ما كان سائدا في مناهج التعليم؛ مضافا إليه ما تعلمه ودرسه في الحركة وترسيخا وإيمانا واقتناعا بما تعلمه أثناء اعتقاله إداريا، ما يقارب ثلاثين شهرا؛ من شهر 1/ 1968 حتى شهر 1970/7، وخلالها إلتقى بالعديد من الفدائيين والقيادات الذين دخلوا دوريات من الأردن وغيرها، وكان نصيبهم الاعتقال واستفاد وشحن من ثقافتهم وتجربتهم.
3_ أثناء وجوده في السجن؛ كان يتابع ويطلع ممن يعتقلوا من رفاقه ومن الاتصالات الخاصة بالخارج، عن الأوضاع والامكانيات، وكل ما يحتاجه العمل؛ فخرج قائدا مكتملا، يمتلك ملكات القيادة وملكات الفعل.
كان الأكفأ والأكثر إقناعا وتقديما للحلول، لمعطيات الواقع في مقارعة المحتل وإفشال مخططاته على كافة الصعد الكفاحية؛ أفشل مشروع إفراغ القطاع من السلاح والمطلوبين (المطاردين).. والسياسة؛ أفشل مشروع ضم المخيمات للبلديات، وكان متصديا للعملاء. لقد كان هيئة أركان في قائد.
إن التجربة تحتاج لتوثيق لغناها وتشعباتها وزخم عملياتها وكثرة القادة المغمورين الذين لم يذكر عنهم شيئا، وكانوا الأكثر إضرارا وايذاء للعدو.
كل المجد لهؤلاء الرجال الذين خاضوا هذه التجربة.. لهم المجد في العلى وإلى الأمام.